الوضع في مالي وانعكاساته على موريتانيا – موقع أخر قرار

تشهد مالي منذ أكثر من عقد حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، تتفاقم بفعل الصراعات المسلحة المتعددة، الانقلابات العسكرية، ونشاط الجماعات الإرهابية مثل تنظيمي القاعدة وداعش. هذه الأوضاع المتدهورة تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الإقليمي، لا سيما على دول الجوار مثل موريتانيا.
الوضع الأمني في مالي
تشير تقارير مركز السلام للدراسات الاستراتيجية إلى تجدد المعارك بين الجيش المالي وحركات الطوارق الأزواديين، في ظل تحالفات متغيرة مع مجموعات مسلحة أخرى، ما يجعل البلاد ساحة مفتوحة لصراعات متعددة المحاور1. كما أن تنظيمات القاعدة وداعش زادت من نشاطها، حيث تضاعفت الأراضي التي يسيطرون عليها خلال أقل من عام، وفق تقرير للأمم المتحدة2.
الانسحاب التدريجي لبعثة الأمم المتحدة (مينوسما) والقوات الفرنسية في 2022 و2023 ترك فراغاً أمنياً، أدى إلى تصاعد النزاعات بين الأطراف المختلفة، وارتفاع وتيرة الهجمات المسلحة التي أودت بحياة نحو 400 شخص خلال العامين الماضيين، مع نزوح آلاف المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية23.
الأبعاد السياسية
مالي شهدت ثلاثة انقلابات عسكرية خلال العقد الماضي، كان آخرها تنصيب أسيمي غويتا رئيساً رغم عدم انتخابه، ما اعتبره حزب “يلما” انتهاكاً للدستور5. هذا الوضع يعكس ضعف المؤسسات السياسية ويزيد من التوترات، ويعيق جهود تحقيق الاستقرار السياسي والديمقراطي.
انعكاسات الوضع المالي على موريتانيا
موريتانيا، التي تشترك مع مالي بحدود طويلة، تتأثر بشكل مباشر بتدهور الأوضاع الأمنية في مالي. فانتشار الجماعات المسلحة على الحدود يهدد الأمن الوطني، ويزيد من مخاطر التهريب، والاتجار بالبشر، وانتقال النزاعات المسلحة.
الخبير الموريتاني في الشؤون الأفريقية محمد الأمين ولد الداه يشير إلى أن تعقيد النزاعات في مالي يجعل من الصعب على المجلس العسكري الحاكم فرض السيطرة، ويؤكد أن توسع نشاط الجماعات الإرهابية يشكل تهديداً مباشراً لموريتانيا والمنطقة2.
كما أن الأزمة الإنسانية في مالي تؤدي إلى تدفق اللاجئين والمشردين نحو موريتانيا، مما يضع ضغوطاً إضافية على الموارد والخدمات الاجتماعية في البلاد.
آراء الخبراء والتوصيات
يرى المحلل السياسي التشادي جبرين عيسى أن الجيش المالي قادر على تحقيق انتصارات عسكرية ضد الجماعات الإرهابية، مستفيداً من الدعم الروسي والأمريكي، لكنه يحذر من أن الصراعات ستكون طويلة الأمد ومعقدة2. ويشير إلى أهمية التحالفات الإقليمية، مثل تحالف مالي مع بوركينا فاسو والنيجر، لتشكيل جبهة موحدة ضد التهديدات الأمنية.
خبراء آخرون يؤكدون أن الحلول العسكرية وحدها لن تكفي، وأن الاستقرار يتطلب استراتيجيات شاملة تشمل تعزيز الحكم الرشيد، التنمية الاقتصادية، وحل النزاعات السياسية والاجتماعية3.
معطيات وإحصائيات رسمية
-
نحو 8.8 مليون شخص في مالي بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وفق الأمم المتحدة2.
-
مئات القتلى المدنيين جراء النزاعات المسلحة خلال العامين الماضيين3.
-
ثلاثة انقلابات عسكرية خلال العقد الماضي، آخرها في 20255.
الوضع في مالي يشكل تهديداً أمنياً وإنسانياً وسياسياً متزايداً على مستوى غرب إفريقيا، ويؤثر بشكل مباشر على موريتانيا من خلال التهديدات الأمنية والضغوط الإنسانية. مواجهة هذه التحديات تتطلب تعاوناً إقليمياً ودولياً، مع التركيز على بناء مؤسسات قوية، وتحقيق السلام الشامل، وتعزيز التنمية المستدامة لضمان استقرار المنطقة بأسرها.