جسر مدريد: معلم عمراني يستحق العناية

يُعد جسر مدريد في العاصمة نواكشوط أحد أبرز المعالم العمرانية التي تركت بصمتها في مشهد البنية التحتية الوطنية. فمنذ تدشينه، شكل الجسر نقطة تحول في تنظيم حركة المرور وتخفيف الازدحام في واحدة من أكثر المناطق حيوية في العاصمة. ومع مرور الوقت، أصبح أكثر من مجرد ممر يربط بين جهتين، بل بات رمزًا للحداثة والتخطيط الحضري المتقدم.
ما يثير الانتباه هو الفارق الكبير بين تكلفة جسر مدريد وتكلفة جسور أخرى شُيدت لاحقًا، مثل جسر الحي الساكن وجسر باماكو. فرغم أن جسر مدريد قد تم إنجازه بتكلفة منخفضة نسبيًا، إلا أنه أثبت فعاليته واستمراريته، بينما كلفت الجسور الأخرى مبالغ ضخمة دون أن تتفوق عليه في الأهمية أو الصلابة أو حتى التأثير على انسيابية حركة المرور.
هذا التباين في التكاليف يدعو إلى إعادة تقييم أولويات الصرف العمومي في مشاريع البنية التحتية، وضرورة دراسة جدوى المشاريع بشكل معمق قبل تنفيذها، مع التركيز على الجودة والاحتياج الفعلي بدلًا من الإنفاق غير المحسوب.
مع كل ما يمثله جسر مدريد من قيمة عمرانية ووظيفية، يواجه هذا المعلم – كغيره من المنشآت العمومية – خطر الإهمال والتشويه، بفعل التصرفات غير المسؤولة من بعض المواطنين. من الكتابات العشوائية على الجدران، إلى رمي القمامة والإتلاف المتعمد لبعض مرافق الجسر.
إن المحافظة على المنشآت العمومية ليست مسؤولية السلطات فقط، بل هي واجب جماعي، يتطلب من الجميع التحلي بروح المواطنة والمدنية. فالجسور والطرق والحدائق والمباني العامة ليست ملكًا لفئة دون أخرى، بل هي ممتلكات وطنية تموَّل من المال العام ويستفيد منها الجميع.
في هذا السياق، نوجه دعوة مفتوحة إلى السلطات المعنية لتكثيف حملات التوعية والصيانة الدورية، وإلى المواطنين، وخاصة الشباب، لتبني سلوك حضاري يعكس احترامهم لمقدرات بلدهم. كما يُستحسن إدماج موضوعات “الثقافة المدنية” في المناهج التعليمية، لتنشئة أجيال تدرك أن بناء الوطن لا يقتصر على تشييد الجسور، بل يشمل أيضًا صيانتها والاعتناء بها.
جسر مدريد ليس مجرد معبر؛ إنه شاهد على حقبة من التخطيط المسؤول، ورمز يمكن أن نفخر به جميعًا… إذا حافظنا عليه.