ملف فساد العشرية.. ملاحظات وهوامش

جمال عبد الجليل

أول ما يقف عنده قلم الملاحظ أن الملك لله يهبه لمن يشاء وينزعه ممن يشاء، وقد أحسن الشيخ حسن الترابي في لطائف المعاني الإشارية التي يلفت إليها نظر القارئ والمتدبر أن القرآن استخدم لنيل الملك الإيتاء، وللخروج منه النزع، فقل أن يترك السلطة ذو ملك، إلا وهو راغب “ومشرومة عينو” إلى كرسي سلطته، أو راهب يرى في البقاء فيها حماية له من سوء ما اجتنى من ظلم أو غلول أو هما معا.

وعليه فلا منة لأحد يمنها على الشعب الموريتاني أنه فكر وقدر، فرأى أن ليس بإمكانه البقاء في السلطة، وأنه لا نافع له من ضجيج المطالبة بالمأمورية الثالثة، فخرط القتاد، أسهل عليه من البقاء فيها، فخرج من السلطة، على أمل أن يعود إليها أو يتحكم فيها، ليواصل فيها نهبه وغبنه.

وإذا كان الرئيس السابق تصريحا هو أول من خرج على سنة ومبدأ عفا الله عما سلف، وتساءل أمام المواطنين، هل سنقول لكل من نهب مال الدولة عفا لله عما سلف، فليس من حقه الآن أن يتبرم من المحاسبة
فلا تجزعن من سنة أنت سرتها وأول راض سنة من يسيرها.

ولا مندوحة له أيضا من مواجهة قانون مكافحة الفساد الذي وقعه هو ووزيره الأول ووزير عدله، وأخذ مساره من التشريع، وأصبح من دعائم التقاضي في مكافحة الفساد.

ولا معنى أيضا لامتناعه عن مواجهة القضاء وهو الذي ردد أنه لا يرهب شيئا، وأن مصادر أمواله شرعية، وأنه يتحدى من يثبت عليه أي تهمة، أو أمر مخالف للقانون، فهل نكص عن التحدي.

ولا شك أيضا أن مربع غصن الفساد لم يعد كما كان فلا هو هو ولا الأيام أيامه، وقد أسلم الشعب زمام أمره إلى نظام مأمون وأمين، حريص على الشعب، ساع إلى مصلحته، غير متسامح مع الفساد والمفسدين، وعليه فليبحث المفسدون عن ملجأ أو مغارات أو مدخل يجمحون إليه، فليس لهم من المساءلة من وصيلة ولا حام.

وأنه لا بديل عن المساءلة والمحاسبة غير استمرار الفساد وترسخه، وأن متغيرات العصر وحجم ما أوقع الفساد من أضرار على البلاد والعباد يؤكد أن لا خيار غير تصفية الفساد وعزل مظاهره، وإبعاد مقترفيه.

ولعل أبسط مثال على تعاضد الفساد وسوء التسيير وعوار الحكامة ما عانته البلاد خلال السنة المنصرمة، وهي تواجه جائحة كورونا، فقد ظهر أن العشرية لم تترك وراءها غير جعجعة خواء طحنت الشعب ولم تترك من بر ولا طحين.
ولا شك أن حسن أداء الحكومة وتعاطي السلطة بكثير من الاحترافية والنجاعة، خفف من آثار الأزمة، وجنب البلاد وضعية صعبة، أسلمتنا إليه عشرية النظام السابق.

ومن المبشر أن مسار محاربة الفساد قد اجتمعت له روافع متعددة منها على سبيل المثال

– مبادرة ممثلي الشعب من النواب الذين شكلوا لجنة التحقيق البرلمانية.
– حرص السلطة التنفيذية على تسهيل عمل اللجنة، وعلى محاربة الفساد ومنع تمدده.
– الثقة الكاملة في القضاء الذي يتميز بكثرة العقول النيرة، والكفاءات النزيهة.
– ظهير إعلامي وشعبي واسع من المدونين والإعلاميين والحقوقيين والمحامين الذين يشكلون سورا وطنيا ضد ممارسات الفساد.

ونحن على ثقة من أن مسار محاربة الفساد سيصل إلى غايته، من خلال التحقيق الشفاف والنزيه، واستعادة الأموال المنهوبة التي ذهبت سدى في سائمة الأنعام وفارهة السيارات وشواهق المنازل ورفاهية المراهقين.
لكننا أيضا محتاجون إلى برنامج وطني قيمي تتضافر فيه جهود علماء الشريعة وخبراء القانون والإعلاميين، لمحاربة الفساد الذي تحول من منكر شنيع، إلى مفخرة يوصم من نفر منها بالضعف و”النفشة”
وحسبك من تغير القيم أن أهل باديتنا قديما كانوا إذا أثنوا على كلب الغنم وصفوه بأنه” ما يصرك” أما الآن فإن ما يصرك غاية عند البعض في وصف المسؤول، لانتشار الفساد وشيوع قيمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق