مغالطات في المحكمة (1)/ سيدي ولد كبه
بلغت مغالطات الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز حدا من الاستفزاز والاستهزاء بالمتلقي لم يعد بالإمكان السكوت عنه، ويبدو أنه قد أصر في كل جلسة على أن يقلب الحقائق رأسا على عقب، وبجرأة لم يسبقه إليها أحد، وربما يكون قد اعتمد على هذه الاستراتيجية في الدفاع عن نفسه، بعد أن أعيته الحجج المقنعة في الدفاع عن نفسه خلال جلسات المحاكمة.
من يتابع جلسات محاكمة ولد العزيز لابد وأن يقف مذهولا أمام جرأة الرجل على قلب الحقائق، ولا أريد أن أقول أكثر من ذلك، احتراما لمنصب رئاسة الجمهورية الذي شغله الرجل خلال أكثر من عقد من الزمن، حتى وإن كان هو لم يحترم هذا المنصب على العكس من كل الرؤساء الذين سبقوه، فأفشى أسرار الدولة، ووصف أطباء بلده ـ ودون أن يستثني منهم أحدا ـ بالجزارين، وألصق بالعالم الكبير محمد الشيخ ولد الددو تهمة استغلال الدين والافتاء لصالح الشرطة.
في إحدى جلسات المحكمة اتهم ولد عبد العزيز وهو الذي يتفق الجميع على أنه أكبر مفسد في تاريخ البلد، اتهم الرئيس الراحل المختار ولد داداه بالفساد، وهو ـ للمفارقة ـ الرئيس الذي يتفق جميع الموريتانيين على أنه من أنظف رؤساء موريتانيا يدا، ومن أكثرهم ابتعادا عن المال العام. يمكن أن نتهم المختار ولد داداه رحمه الله بكل شيء إلا الفساد وسرقة المال العام، فهذه تهمة لا يمكن أن تلصق به بأي حال من الأحوال.
فأي جرأة هذه التي يمتلك ولد عبد العزيز في قلب الحقائق؟ وبأي منطق يتهم الرئيس الأكثر فسادا في تاريخ البلد الرئيس الأكثر بعدا عن المال العام بالفساد؟
لا يجرؤ على قلب الحقائق بهذا الشكل غير المسبوق إلا الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
ولكي تعلموا مدى جرأة الرجل على قلب الحقيق، فإليكم هذه المقارنة البسيطة بين تعامل الرئيسين المختار وولد عبد العزيز مع المال العام.
يقول المختار ولد داده في مذكراته بأنه يعتبر الهبات والهدايا التي تمنح له مرتبطة بوظيفته لا بشخصه، ولذا فعندما أعطاه الملك فيصل خلال زيارته لموريتانيا في شهر نوفمبر من العام 1972 مبلغ مليون دولار في شيك محرر باسمه، قام بتسليم ذلك الشيك إلى الموظف المسؤول عن “الخطة العاجلة لمكافحة الجفاف”، وطلب منه أن يسجله تحت عنوان “هبة شخصية من الملك فيصل لصالح الخطة العاجلة”.
وفى شهر مارس من العام 1973، قدم له الرئيس موبوتو خلال زيارة رسمية لموريتانيا عونا شخصيا عبارة عن 500 مليون فرنك غرب إفريقي، فقام بتحويل ذلك المبلغ إلى الميزانية، لتشيد منه المدرسة العليا لتكوين الأساتذة، والتي دُشنت فيما بعد بحضور الرئيس موبوتو بعد أن دعاه المختار، وأخبره بأن المدرسة دشنت من الهدية الخاصة التي منحها له.
ولما قدم له الرئيس بونغو وفي مناسبات عديدة شيكات ومبالغ نقدية بقيمة إجمالية تصل إلى 400 مليون فرنك غرب إفريقي، قام بتحويلها إلى خزينة الدولة.
وفى آخر فترة حكمه أرسل إليه رئيس ساحل العاج هوفوت بوني كهدية شخصية حقيبتين كبيرتين ملئتا بالنقود (عشرة ملايين دولار) فما كان منه إلا أن سلم الحقيبتين إلى وزير المالية دون أن يفتحهما، وأعطى الأوامر للوزير بوضع تلك المبالغ في خزينة الدولة.
هذا عن هدايا الرئيس المختار ولد داداه التي كانت تذهب إلى خزينة الدولة، أما بخصوص هدايا الرئيس محمد ولد عبد العزيز فقد كان يحتفظ بها لنفسه، وبما فيها ساعة يد قال هو بأن سعرها يصل إلى مليون دولار، أي ما يقارب نصف مليار أوقية قديمة.
هكذا يظهر الخلاف الكبير في تعامل الرئيسين مع الهدايا التي تسلماها خلال رئاستهما للبلد، أما بخصوص الممتلكات الأخرى، فإن الرئيس المختار ولد داداه الذي قضى 18 عاما رئيسا للبلاد فهو لم يكن يملك عند خروجه من السلطة إلا مبلغ 340 ألف أوقية قديمة في حساب بنكي، ومنزل واحد مسجل باسم زوجته، وقد تم تشييده من خلال قرض أخذه من البنك الموريتاني للتنمية، مثلما كان عمال الدولة يأخذون قروضا لتشييد منازل يسكنون فيها.
أما أملاك ولد عبد العزيز الذي قضى في الحكم فترة لا تزيد إلا قليلا عن نصف الفترة التي قضاها المختار رئيسا، فإنها تحسب بعشرات ـ إن لم أقل مئات ـ المليارات من الأوقية، وما يملك الرجل من مليارات الأوقية نقدا، ومن العمارات والقطع الأرضية والشركات والسيارات والشاحنات فلا يمكن تعداده في مقال كهذا من صفحات محدودة.
فهل أدركتم الآن مدى جرأة ولد عبد العزيز على قلب الحقائق عندما يُقدم نفسه على أنه رئيس نزيه لا يسرق المال العام، وأن الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله كان رئيسا مفسدا؟
يتواصل..
سيدي ولد گبه – ناشط سياسي مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية